الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)
.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعِلَاجِ الْعَامّ لِكُلّ شَكْوَى بِالرّقْيَةِ الْإِلَهِيّةِ: رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ: مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ مَنْ اشْتَكَى مِنْكُمْ شَيْئًا أَوْ اشْتَكَاهُ أَخٌ لَهُ فَلْيَقُلْ رَبّنَا اللّهُ الّذِي فِي السّمَاءِ تَقَدّسَ اسْمُك أَمْرُكَ فِي السّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَمَا رَحْمَتُكَ فِي السّمَاءِ فَاجْعَلْ رَحْمَتَكَ فِي الْأَرْضِ وَاغْفِرْ لَنَا حُوْبَنَا وَخَطَايَانَا أَنْتَ رَبّ الطّيّبِينَ أَنْزِلْ رَحْمَةً مِنْ رَحْمَتِك وَشِفَاءً مِنْ شِفَائِكَ عَلَى هَذَا الْوَجَعِ فَيَبْرَأُ بِإِذْنِ اللّهِ. صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ أَنّ جِبْرِيلَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- أَتَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ اشْتَكَيْتَ؟ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- بِاسْمِ اللّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرّ كُلّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللّهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِ اللّهِ أَرْقِيك. فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَقُولُونَ فِي الْحَدِيثِ الّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ: لَا رُقْيَةَ إلّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ وَالْحُمَةُ ذَوَاتُ السّمُومِ كُلّهَا..التّوْفِيقُ بَيْنَ جَوَازِ الرّقْيَةِ لِكُلّ شَكْوَى وَبَيْنَ لَا رُقْيَةَ إلّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ: فَالْجَوّابُ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْيَ جَوَازِ الرّقْيَةِ فِي غَيْرِهَا بَلْ الْمُرَادُ بِهِ لَا رُقْيَةَ أَوْلَى وَأَنْفَعُ مِنْهَا فِي الْعَيْنِ وَالْحُمَةِ وَيَدُلّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْحَدِيثِ فَإِنّ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ قَالَ لَهُ لَمّا أَصَابَتْهُ الْعَيْنُ أَوَ فِي الرّقَى خَيْرٌ؟ فَقَالَ لَا رُقْيَةَ إلّا فِي نَفْسٍ أَوْ حُمَةٍ وَيَدُلّ عَلَيْهِ سَائِرُ أَحَادِيثِ الرّقَى الْعَامّةِ وَالْخَاصّةِ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «لَا رُقْيَةَ إلّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ أَوْ دَمٍ يَرْقَأُ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أَيْضًا: رَخّصَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الرّقْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ وَالْحُمَةِ وَالنّمْلَةِ..فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي رُقْيَةِ اللّدِيغِ بِالْفَاتِحَةِ: أَخْرَجَا فِي الصّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ قَالَ انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي سُفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتّى نَزَلُوا عَلَى حَيّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيّفُوهُمْ فَلُدِغَ سَيّدُ ذَلِكَ الْحَيّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرّهْطَ الّذِينَ نَزَلُوا لَعَلّهُمْ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا: يَا أَيّهَا الرّهْطُ إنّ سَيّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ وَاَللّهِ إنّي لَأَرْقِي وَلَكِنْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيّفُونَا فَمَا أَنَا بَرَاقٍ حَتّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ فَانْطَلَقَ يَتْفُلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ فَكَأَنّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ قَالَ فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اقْتَسِمُوا فَقَالَ الّذِي رَقَى: لَا تَفْعَلُوا حَتّى نَأْتِيَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ وَمَا يُدْرِيكَ أَنّهَا رُقْيَةٌ؟ ثُمّ قَالَ قَدْ أَصَبْتُمْ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ خَيْرُ الدّوَاءِ الْقُرْآنُ..فَائِدَةُ الرّقْيَةِ بِالْقُرْآنِ وَبِخَاصّةٍ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ: وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنّ بَعْضَ الْكَلَامِ لَهُ خَوَاصّ وَمَنَافِعُ مُجَرّبَةٌ فَمَا الظّنّ بِكَلَامِ رَبّ الْعَالَمِينَ الّذِي فَضْلُهُ عَلَى كُلّ كَلَامٍ كَفَضْلِ اللّهِ عَلَى خَلْقِهِ الّذِي هُوَ الشّفَاءُ الْهَادِي وَالرّحْمَةُ الْعَامّةُ الّذِي لَوْ أُنْزِلَ عَلَى جَبَلٍ لَتَصَدّعَ مِنْ عَظْمَتِهِ وَجَلَالَتِهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَنُنَزّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الْإِسْرَاءُ: 82] ومِنْ هَاهُنَا لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا لِلتّبْعِيضِ هَذَا أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الْفَتْحُ 29] وَكُلّهُمْ مِنْ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ فَمَا الظّنّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ الّتِي لَمْ يُنْزَلْ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي التّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزّبُورِ مِثْلُهَا الْمُتَضَمّنَةِ لِجَمِيعِ مَعَانِي كُتُبِ اللّهِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى ذِكْرِ أُصُولِ أَسْمَاءِ الرّبّ- تَعَالَى- وَمَجَامِعِهَا وهِيَ اللّهُ وَالرّبّ وَالرّحْمَنُ وَإِثْبَاتُ الْمَعَادِ وَذِكْرِ التّوْحِيدَيْنِ تَوْحِيدِ الرّبُوبِيّةِ وَتَوْحِيدِ الْإِلَهِيّةِ وَذِكْرِ الِافْتِقَارِ إلَى الرّبّ سُبْحَانَهُ فِي طَلَبِ الْإِعَانَةِ وَطَلَبِ الْهِدَايَةِ وَتَخْصِيصِهِ سُبْحَانَهُ بِذَلِكَ وَذِكْرِ أَفْضَلِ الدّعَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَنْفَعِهِ وَأَفْرَضِهِ وَمَا الْعِبَادُ أَحْوَجُ شَيْءٍ إلَيْهِ وَهُوَ الْهِدَايَةُ إلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ الْمُتَضَمّنِ كَمَالَ مَعْرِفَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ- بِفِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ وَاجْتِنَابِ مَا نَهَى عَنْهُ وَالِاسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ إلَى الْمَمَاتِ وَيَتَضَمّنُ ذِكْرَ أَصْنَافِ الْخَلَائِقِ وَانْقِسَامَهُمْ إلَى مُنْعَمٍ عَلَيْهِ بِمَعْرِفَةِ الْحَقّ وَالْعَمَلِ بِهِ وَمَحَبّتِهِ وَإِيثَارِهِ وَمَغْضُوبٍ عَلَيْهِ بِعُدُولِهِ عَنْ الْحَقّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ لَهُ وَضَالّ بِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ لَهُ. وَهَؤُلَاءِ أَقْسَامُ الْخَلِيقَةِ مَعَ تَضَمّنِهَا لِإِثْبَاتِ الْقَدَرِ وَالشّرْعِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصّفَاتِ وَالْمَعَادِ وَالنّبُوّاتِ وَتَزْكِيَةِ النّفُوسِ وَإِصْلَاحِ الْقُلُوبِ وَذِكْرِ عَدْلِ اللّهِ وَإِحْسَانِهِ وَالرّدّ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْبَاطِلِ كَمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا الْكَبِيرِ مَدَارِجِ السّالِكِينَ فِي شَرْحِهَا. وَحَقِيقٌ بِسُورَةٍ هَذَا بَعْضُ شَأْنِهَا أَنْ يُسْتَشْفَى بِهَا مِنْ الْأَدْوَاءِ وَيُرْقَى بِهَا اللّدِيغُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا تَضَمّنَتْهُ الْفَاتِحَةُ مِنْ إخْلَاصِ الْعُبُودِيّةِ وَالثّنَاءِ عَلَى اللّهِ وَتَفْوِيضِ الْأَمْرِ كُلّهِ إلَيْهِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ وَالتّوَكّلِ عَلَيْهِ وَسُؤَالِهِ مَجَامِعَ النّعَمِ كُلّهَا وَهِيَ الْهِدَايَةُ الّتِي تَجْلِبُ النّعَمَ وَتَدْفَعُ النّقَمَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدْوِيَةِ الشّافِيَةِ الْكَافِيَةِ..قِرَاءَةُ الْمُصَنّفِ الْفَاتِحَةَ عَلَى مَاءِ زَمْزَمَ وَذَلِكَ عِنْدَ سَقَمِهِ فِي مَكّةَ: وَقَدْ قِيلَ إنّ مَوْضِعَ الرّقْيَةِ مِنْهَا: {إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ} وَلَا رَيْبَ أَنّ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ مِنْ أَقْوَى أَجْزَاءِ هَذَا الدّوَاءِ فَإِنّ فِيهِمَا مِنْ عُمُومِ التّفْوِيضِ وَالتّوَكّلِ وَالِالْتِجَاءِ وَالِاسْتِعَانَةِ وَالِافْتِقَارِ وَالطّلَبِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ أَعْلَى الْغَايَاتِ وَهِيَ عِبَادَةُ الرّبّ وَحْدَهُ وَأَشْرَفُ الْوَسَائِلِ وَهِيَ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ عَلَى عِبَادَتِهِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا وَلَقَدْ مَرّ بِي وَقْتٌ بِمَكّةَ سَقِمْتُ فِيهِ وَفَقَدْتُ الطّبِيبَ وَالدّوَاءَ فَكُنْت أَتَعَالَجُ بِهَا آخُذُ شَرْبَةً مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَأَقْرَؤُهَا عَلَيْهَا مِرَارًا ثُمّ أَشْرَبُهُ فَوَجَدْتُ بِذَلِكَ الْبُرْءَ التّامّ ثُمّ صِرْت أَعْتَمِدُ ذَلِكَ عِنْد كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْجَاعِ فَأَنْتَفِعُ بِهَا غَايَةَ الِانْتِفَاعِ..فصل نَفْسُ الرّاقِي تَفْعَلُ فِي نَفْسِ الْمَرْقِيّ فَتَدْفَعُ عَنْهُ الْمَرَضَ بِإِذْنِ اللّهِ: وَفِي تَأْثِيرِ الرّقَى بِالْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا فِي عِلَاجِ ذَوَاتِ السّمُومِ سِرّ بَدِيعٌ فَإِنّ ذَوَاتَ السّمُومِ أَثّرَتْ بِكَيْفِيّاتِ نُفُوسِهَا الْخَبِيثَةِ كَمَا تَقَدّمَ وَسِلَاحُهَا حُمَاتُهَا الّتِي تَلْدَغُ بِهَا وَهِيَ لَا تَلْدَغُ حَتّى تَغْضَبَ فَإِذَا غَضِبَتْ ثَارَ فِيهَا السّمّ فَتَقْذِفُهُ بِآلَتِهَا وَقَدْ جَعَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ لِكُلّ دَاءٍ دَوَاءً وَلِكُلّ شَيْءٍ ضِدّا وَنَفْسُ الرّاقِي تَفْعَلُ فِي نَفْسِ الْمَرْقِيّ فَيَقَعُ بَيْنَ نَفْسَيْهِمَا فِعْلٌ وَانْفِعَالٌ كَمَا يَقَعُ بَيْنَ الدّاءِ وَالدّوَاءِ فَتَقْوَى نَفْسُ الرّاقِي وَقُوّتُهُ بِالرّقْيَةِ عَلَى ذَلِكَ الدّاءِ فَيَدْفَعُهُ بِإِذْنِ اللّهِ وَمَدَارُ تَأْثِيرِ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَدْوَاءِ عَلَى الْفِعْلِ وَالِانْفِعَالِ وَهُوَ كَمَا يَقَعُ بَيْنَ الدّاءِ وَالدّوَاءِ الطّبِيعِيّيْنِ يَقَعُ بَيْنَ الدّاءِ وَالدّوَاءِ الرّوحَانِيّيْنِ وَالرّوحَانِيّ وَالطّبِيعِيّ وَفِي النّفْثِ وَالتّفْلِ اسْتِعَانَةٌ بِتِلْكَ الرّطُوبَةِ وَالْهَوَاءِ وَالنّفْسِ الْمُبَاشِرِ لِلرّقْيَةِ وَالذّكْرِ وَالدّعَاءِ فَإِنّ الرّقْيَةَ تَخْرُجُ مِنْ قَلْبِ الرّاقِي وَفَمِهِ فَإِذَا صَاحَبَهَا شَيْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ بَاطِنِهِ مِنْ الرّيقِ وَالْهَوَاءِ وَالنّفْسِ كَانَتْ أَتَمّ تَأْثِيرًا وَأَقْوَى فِعْلًا وَنُفُوذًا وَيَحْصُلُ بِالِازْدِوَاجِ بَيْنَهُمَا كَيْفِيّةٌ مُؤَثّرَةٌ شَبِيهَةٌ بِالْكَيْفِيّةِ الْحَادِثَةِ عِنْدَ تَرْكِيبِ الْأَدْوِيَةِ..النّفْثُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي دَفْعِ الْمَرَضِ: وَبِالْجُمْلَةِ فَنَفْسُ الرّاقِي تُقَابِلُ تِلْكَ النّفُوسِ الْخَبِيثَةِ وَتَزِيدُ بِكَيْفِيّةِ نَفْسِهِ كَانَتْ كَيْفِيّةُ نَفْسِ الرّاقِي أَقْوَى كَانَتْ الرّقْيَةُ أَتَمّ وَاسْتِعَانَتُهُ بِنَفْثِهِ كَاسْتِعَانَةِ تِلْكَ النّفُوسِ الرّدِيئَةِ بِلَسْعِهَا. وَفِي النّفْثِ سِرّ آخَرُ فَإِنّهُ مِمّا تَسْتَعِينُ بِهِ الْأَرْوَاحُ الطّيّبَةُ وَالْخَبِيثَةُ وَلِهَذَا تَفْعَلُهُ السّحَرَةُ كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْإِيمَانِ. قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ شَرّ النّفّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} وَذَلِكَ لِأَنّ النّفْسَ تَتَكَيّفُ بِكَيْفِيّةِ الْغَضَبِ وَالْمُحَارَبَةِ وَتُرْسِلُ أَنْفَاسَهَا سِهَامًا لَهَا وَتَمُدّهَا بِالنّفْثِ وَالتّفْلِ الّذِي مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الرّيقِ مُصَاحِبٌ لِكَيْفِيّةٍ مُؤَثّرَةٍ وَالسّوَاحِرُ تَسْتَعِينُ بِالنّفْثِ اسْتِعَانَةً بَيّنَةً وَإِنْ لَمْ تَتّصِلْ بِجِسْمِ الْمَسْحُورِ بَلْ تَنْفُثُ عَلَى الْعُقْدَةِ وَتَعْقِدُهَا وَتَتَكَلّمُ بِالسّحْرِ فَيَعْمَلُ ذَلِكَ فِي الْمَسْحُورِ بِتَوَسّطِ الْأَرْوَاحِ السّفْلِيّةِ الْخَبِيثَةِ فَتُقَابِلُهَا الرّوحُ الزّكِيّةُ الطّيّبَةُ بِكَيْفِيّةِ الدّفْعِ وَالتّكَلّمِ بِالرّقْيَةِ وَتَسْتَعِينُ بِالنّفْثِ فَأَيّهُمَا قَوِيَ كَانَ الْحُكْمُ لَهُ وَمُقَابَلَةُ الْأَرْوَاحِ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ وَمُحَارَبَتُهَا وَآلَتُهَا مِنْ جِنْسِ مُقَابَلَةِ الْأَجْسَامِ وَمُحَارَبَتُهَا وَآلَتِهَا سَوَاءٌ بَلْ الْأَصْلُ فِي الْمُحَارَبَةِ وَالتّقَابُلِ لِلْأَرْوَاحِ وَالْأَجْسَامِ آلَتُهَا وَجُنْدُهَا وَلَكِنْ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْحِسّ لَا يَشْعُرُ بِتَأْثِيرَاتِ الْأَرْوَاحِ وَأَفْعَالِهَا وَانْفِعَالَاتِهَا لِاسْتِيلَاءِ سُلْطَانِ الْحِسّ عَلَيْهِ وَبُعْدِهِ مِنْ عَالَمِ الْأَرْوَاحِ وَأَحْكَامِهَا وَأَفْعَالِهَا. وَالْمَقْصُودُ أَنّ الرّوحَ إذَا كَانَتْ قَوِيّةً وَتَكَيّفَتْ بِمَعَانِي الْفَاتِحَةِ وَاسْتَعَانَتْ بِالنّفْثِ وَالتّفْلِ قَابَلَتْ ذَلِكَ الْأَثَرَ الّذِي حَصَلَ مِنْ النّفُوسِ الْخَبِيثَةِ فَأَزَالَتْهُ وَاللّهُ أَعْلَمُ..فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي عِلَاجِ لَدْغَةِ الْعَقْرَبِ بِالرّقْيَةِ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ بَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّي إذْ سَجَدَ فَلَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ فِي أُصْبُعِهِ فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ لَعَنَ اللّهُ الْعَقْرَبَ مَا تَدَعُ نَبِيّا وَلَا غَيْرَهُ قَالَ ثُمّ دَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَمِلْحٌ فَجَعَلَ يَضَعُ مَوْضِعَ اللّدْغَةِ فِي الْمَاءِ وَالْمِلْحِ وَيَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوّذَتَيْنِ حَتّى سَكَنَتْ..مَا لِسُورَةِ الْإِخْلَاصِ مِنْ الْفَائِدَةِ فِي عِلَاجِ اللّدْغَةِ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْعِلَاجُ بِالدّوَاءِ الْمُرَكّبِ مِنْ الْأَمْرَيْنِ الطّبِيعِيّ وَالْإِلَهِيّ فَإِنّ فِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ مِنْ كَمَالِ التّوْحِيدِ الْعِلْمِيّ الِاعْتِقَادِيّ وَإِثْبَاتِ الأَحَدِيّةِ لِلّهِ الْمُسْتَلْزِمَةِ نَفْيَ كُلّ شَرِكَةٍ عَنْهُ وَإِثْبَاتَ الصّمَدِيّةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِإِثْبَاتِ كُلّ كَمَالٍ لَهُ مَعَ كَوْنِ الْخَلَائِقِ تَصْمُدُ إلَيْهِ فِي حَوَائِجِهَا أَيْ تَقْصِدُهُ الْخَلِيقَةُ وَتَتَوَجّهُ إلَيْهِ عَلَوِيّهَا وَسُفْلِيّهَا وَنَفْيَ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَالْكُفْءِ عَنْهُ الْمُتَضَمّنِ لِنَفْيِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَالنّظِيرُ وَالْمُمَاثِلُ مِمّا اخْتَصّتْ بِهِ وَصَارَتْ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَفِي اسْمِهِ الصّمَدِ إثْبَاتُ كُلّ الْكَمَالِ وَفِي نَفْيِ الْكُفْءِ التّنْزِيهُ عَنْ الشّبِيهِ وَالْمِثَالِ. وَفِي الْأَحَدِ نَفْيُ كُلّ شَرِيكٍ لِذِي الْجَلَالِ وَهَذِهِ الْأُصُولُ الثّلَاثَةُ هِيَ مَجَامِعُ التّوْحِيدِ..مَا لِلْمُعَوّذَتَيْنِ مِنْ الْفَائِدَةِ فِي عِلَاجِ اللّدْغَةِ: وَفِي الْمُعَوّذَتَيْنِ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ كُلّ مَكْرُوهٍ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا فَإِنّ الِاسْتِعَاذَةَ مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ تَعُمّ كُلّ شَرّ يُسْتَعَاذُ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْأَجْسَامِ أَوْ الْأَرْوَاحِ وَالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرّ الْغَاسِقِ وَهُوَ اللّيْلُ وَآيَتُهُ وَهُوَ الْقَمَرُ إذَا غَابَ تَتَضَمّنُ الِاسْتِعَاذَةَ مِنْ شَرّ مَا يَنْتَشِرُ فِيهِ مِنْ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ الّتِي كَانَ نُورُ النّهَارِ يَحُولُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الِانْتِشَارِ فَلَمّا أَظْلَمَ اللّيْلُ عَلَيْهَا وَغَابَ الْقَمَرُ انْتَشَرَتْ وَعَاثَتْ. وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنْ شَرّ النّفّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ تَتَضَمّنُ الِاسْتِعَاذَةَ مِنْ شَرّ السّوَاحِرِ وَسِحْرِهِنّ. وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنْ شَرّ الْحَاسِدِ تَتَضَمّنُ الِاسْتِعَاذَةَ مِنْ النّفُوسِ الْخَبِيثَةِ الْمُؤْذِيَةِ بِحَسَدِهَا وَنَظَرِهَا. وَالسّورَةُ الثّانِيَةُ تَتَضَمّنُ الِاسْتِعَاذَةَ مِنْ شَرّ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنّ فَقَدْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ بِقِرَاءَتِهِمَا عَقِبَ كُلّ صَلَاةٍ ذَكَرَهُ التّرْمِذِيّ فِي جَامِعِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفِي هَذَا سِرّ عَظِيمٌ فِي اسْتِدْفَاعِ الشّرُورِ مِنْ الصّلَاةِ إلَى الصّلَاةِ. وَقَالَ مَا تَعَوّذَ الْمُتَعَوّذُونَ بِمِثْلِهِمَا. وَقَدْ ذَكَرَ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُحِرَ فِي إحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةٍ وَأَنّ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَيْهِ بِهِمَا فَجَعَلَ كُلّمَا قَرَأَ آيَةً مِنْهُمَا انْحَلّتْ عُقْدَةٌ حَتّى انْحَلّتْ الْعُقَدُ كُلّهَا وَكَأَنّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ..الْفَائِدَةُ فِي الْمِلْحِ فِي عِلَاجِ اللّدْغَةِ: وَأَمّا الْعِلَاجُ الطّبِيعِيّ فِيهِ فَإِنّ فِي الْمِلْحِ نَفْعًا لِكَثِيرٍ مِنْ السّمُومِ وَلَا سِيّمَا لَدْغَةُ الْعَقْرَبِ قَالَ صَاحِبُ الْقَانُونِ: يُضَمّدُ بِهِ مَعَ بَزْرِ الْكَتّانِ لِلَسْعِ الْعَقْرَبِ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا. وَفِي الْمِلْحِ مِنْ الْقُوّةِ الْجَاذِبَةِ الْمُحَلّلَةِ مَا يَجْذِبُ السّمُومَ وَيُحَلّلُهَا وَلَمّا كَانَ فِي لَسْعِهَا قُوّةٌ نَارِيّةٌ تَحْتَاجُ إلَى تَبْرِيدٍ وَجَذْبٍ وَإِخْرَاجٍ جَمَعَ بَيْنَ الْمَاءِ الْمُبَرّدِ لِنَارِ اللّسْعَةِ وَالْمِلْحِ الّذِي فِيهِ جَذْبٌ وَإِخْرَاجٌ وَهَذَا أَتَمّ مَا يَكُونُ مِنْ الْعِلَاجِ وَأَيْسَرُهُ وَأَسْهَلُهُ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنّ عِلَاجَ هَذَا الدّاءِ بِالتّبْرِيدِ وَالْجَذْبِ وَالْإِخْرَاجِ وَاللّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ فَقَالَ أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللّهِ التّامّاتِ مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرّك وَاعْلَمْ أَنّ الْأَدْوِيَةَ الطّبِيعِيّةَ الْإِلَهِيّةَ تَنْفَعُ مِنْ الدّاءِ بَعْدَ حُصُولِهِ وَتَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِهِ وَإِنْ وَقَعَ لَمْ يَقَعْ وُقُوعًا مُضِرّا وَإِنْ كَانَ مُؤْذِيًا وَالْأَدْوِيَةُ الطّبِيعِيّةُ إنّمَا تَنْفَعُ بَعْدَ حُصُولِ الدّاءِ فَالتّعَوّذَاتُ وَالْأَذْكَارُ إمّا أَنْ تَمْنَعَ وُقُوعَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ وَإِمّا أَنْ تَحُولَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ كَمَالِ تَأْثِيرِهَا بِحَسَبِ كَمَالِ التّعَوّذِ وَقُوّتِهِ وَضَعْفِهِ فَالرّقَى الصّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ نَفَثَ فِي كَفّيْهِ قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوّذَتَيْنِ. ثُمّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَمَا بَلَغَتْ يَدُهُ مِنْ جَسَدِهِ وَكَمَا فِي حَدِيثِ عُوذَةِ أَبِي الدّرْدَاءِ الْمَرْفُوعِ اللّهُمّ أَنْتَ رَبّي لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ عَلَيْكَ تَوَكّلْتُ وَأَنْتَ رَبّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ وَقَدْ تَقَدّمَ وَفِيهِ مَنْ قَالَهَا أَوّلَ نَهَارِهِ لَمْ تُصِبْهُ مُصِيبَةٌ حَتّى يُمْسِيَ وَمَنْ قَالَهَا آخِرَ نَهَارِهِ لَمْ تُصِبْهُ مُصِيبَةٌ حَتّى يُصْبِحَ. وَكَمَا فِي الصّحِيحَيْنِ: مَنْ قَرَأَ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ وَكَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا فَقَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللّهِ التَامّاتِ مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرّهُ شَيْءٌ حَتّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ وَكَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ فِي السّفَرِ يَقُولُ بِاللّيْلِ يَا أَرْضُ رَبّي وَرَبّكِ اللّهُ أَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ شَرّكِ وَشَرّ مَا فِيك وَشَرّ مَا يَدُبّ عَلَيْك أَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ أَسَدٍ وأَسْودٍ وَمِنْ الْحَيّةِ وَالْعَقْرَبِ وَمِنْ سَاكِنِ الْبَلَدِ وَمِنْ وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ الثّانِي: فَكَمَا تَقَدّمَ مِنْ الرّقْيَةِ بِالْفَاتِحَةِ وَالرّقْيَةِ لِلْعَقْرَبِ وَغَيْرِهَا مِمّا يَأْتِي..فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي رُقْيَةِ النّمْلَةِ: قَدْ تَقَدّمَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ الّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَخّصَ فِي الرّقْيَةِ مِنْ الْحُمَةِ وَالْعَيْنِ وَالنّمْلَةِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ الشّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللّهِ دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا عِنْدَ حَفْصَةَ فَقَالَ أَلَا تُعَلّمِينَ هَذِهِ رُقْيَةَ النّمْلَةِ كَمَا عَلّمْتِيها الْكِتَابَةَ النّمْلَةُ قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الْجَنْبَيْنِ وَهُوَ دَاءٌ مَعْرُوفٌ وَسُمّيَ نَمْلَةً لِأَنّ صَاحِبَهُ يُحِسّ فِي مَكَانِهِ كَأَنّ نَمْلَةً تَدِبّ عَلَيْهِ وَتَعَضّهُ وَأَصْنَافُهَا ثَلَاثَةٌ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ كَانَ الْمَجُوسُ يَزْعُمُونَ أَنّ وَلَدَ الرّجُلِ مِنْ أُخْتِهِ إذَا خُطّ عَلَى النّمْلَةِ شَفَى صَاحِبَهَا وَمِنْهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:وَرَوَى الْخَلّالُ أَنّ الشّفَاءَ بِنْتَ عَبْدِ اللّهِ كَانَتْ تَرْقِي فِي الْجَاهِلِيّةِ مِنْ النّمْلَةِ فَلَمّا هَاجَرَتْ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَتْ قَدْ بَايَعَتْهُ بِمَكّةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي كُنْت أَرْقِي فِي الْجَاهِلِيّةِ مِنْ النّمْلَةِ وَإِنّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَهَا عَلَيْك فَعُرِضَتْ عَلَيْهِ فَقَالَتْ بِسْمِ اللّهِ ضَلّتْ حَتّى تَعُودَ مِنْ أَفْوَاهِهَا وَلَا تَضُرّ أَحَدًا اللّهُمّ اكْشِفْ الْبَأْسَ رَبّ النّاسِ قَالَ: «تَرْقِي بِهَا عَلَى عُودٍ سَبْعَ مَرّاتٍ وَتَقْصِدُ مَكَانًا نَظِيفًا». .جَوَازُ تَعْلِيمِ النّسَاءِ الْكِتَابَةَ: وَتَدْلُكُهُ عَلَى حَجَرٍ بِخَلّ خَمْرٍ حَاذِقٍ وَتَطْلِيهِ عَلَى النّمْلَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيمِ النّسَاءِ الْكِتَابَةَ.
|